قال تعالى :
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) ) المزمل .
من تفسير القرطبي المسمى ( الجامع لأحكام القرآن ) :
( ......... سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله , والإحسان والإفضال , فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد ; لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله .
وروى إبراهيم عن علقمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله " وقال ابن مسعود : أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا , فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء .
وقرأ " وآخرون يضربون في الأرض " الآية .
وقال ابن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من الموت بين شعبتي رحلي , أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض .
وقال طاوس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله .
وعن بعض السلف أنه كان بواسط , فجهز سفينة حنطة إلى البصرة , وكتب إلى وكيله : بع الطعام يوم تدخل البصرة , ولا تؤخره إلى غد , فوافق سعة في السعر ; فقال التجار للوكيل : إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه , فأخره جمعة فربح فيه أمثاله , فكتب إلى صاحبه بذلك , فكتب إليه صاحب الطعام : يا هذا ! إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا , وقد جنيت علينا جناية , فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة , وليتني أنجو من الاحتكار كفافا لا علي ولا لي .......... ) .
و هي رسالة موجهة إلى كل من يعمل في مجال الاستيراد , مفادها :
( لا تستورد ما يوافق رغبات المسلمين , بل استورد ما يلبي حاجات المسلمين , تكن مجاهدا في سبيل الله ) .
أحزن كثيرا حين أجد التهافت على الصين من قبل التجار المصريين لشراء المنتجات رخيصة الثمن , و الاستفادة من طاقات هائلة كالطاقة الصينية ليس فيه ما يحزن , إنما المحزن أن جل ما يستورد هو في السلع الاستهلاكية البحتة , من ألعاب أطفال و زينة و أدوات منزلية , و غيرها مما ينتج أصلا في بلادنا , فيساهم المستورد - علم أو لم يعلم - في تخريب السوق المحلي , و تحويله سوقا استهلاكيا معتمدا على الخارج .
و لو فكر هؤلاء في شيء غير الربح السريع , فتركوا ما ننتجه نحن في مصانعنا , و استوردوا لنا ما لا ننتجه و نحتاجه في ذات الوقت , و استوردوا لنا أدوات و معدات الإنتاج لكان خيرا لنا و أجرا لهم .
الملابس الصينية رخيصة الثمن , لكننا ننتج ملابس محلية , فما ضر هذا المستورد لو أتى لنا بمعدات حديثة رخيصة الثمن من الصين لتقل تكلفة إنتاج مصانعنا للملابس ؟ فيحفظ لنا سوقنا دونا إغراق , و ينمي مصانعنا .
العقبة الرئيسية هي أن سوقنا استهلاكية بشكل أساسي , و تريد أن تلبي رغباتها و لا تدري حقيقة حاجاتها , و تبقى هذه مهمة المستورد صاحب الرسالة طالب أجر الشهادة , أن يدرس حاجات المجتمع و ليس حاجات السوق , و يتفنن في الدعاية لما يراه من لب حاجاته حتى يروج لها , و يعتبر نفسه صانع دواء مر , يضيف عليه الحلوى ليسيغه المريض .
و ليعلم التاجر و المستورد أنه حين يضرب في الأرض فلن يربح بدهائه و لا كياسته , و إنما كما قال الله ( يبتغون من فضل الله ) فهو فضل الله أولا و آخرا , يعطيه من يشاء , فلو توكل على الله و حمل هم أمته , لوجد فضل الله عظيما .
و تظل المشكلة مشكلة نفوس لا مشكلة فلوس , فأين لنا مثل هذا التاجر الشريف الضارب في الأرض ابتغاء فضل الله , الباغي ثواب الشهادة ؟
و الله أعلم .
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) ) المزمل .
من تفسير القرطبي المسمى ( الجامع لأحكام القرآن ) :
( ......... سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله , والإحسان والإفضال , فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد ; لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله .
وروى إبراهيم عن علقمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله " وقال ابن مسعود : أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا , فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء .
وقرأ " وآخرون يضربون في الأرض " الآية .
وقال ابن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من الموت بين شعبتي رحلي , أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض .
وقال طاوس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله .
وعن بعض السلف أنه كان بواسط , فجهز سفينة حنطة إلى البصرة , وكتب إلى وكيله : بع الطعام يوم تدخل البصرة , ولا تؤخره إلى غد , فوافق سعة في السعر ; فقال التجار للوكيل : إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه , فأخره جمعة فربح فيه أمثاله , فكتب إلى صاحبه بذلك , فكتب إليه صاحب الطعام : يا هذا ! إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا , وقد جنيت علينا جناية , فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة , وليتني أنجو من الاحتكار كفافا لا علي ولا لي .......... ) .
و هي رسالة موجهة إلى كل من يعمل في مجال الاستيراد , مفادها :
( لا تستورد ما يوافق رغبات المسلمين , بل استورد ما يلبي حاجات المسلمين , تكن مجاهدا في سبيل الله ) .
أحزن كثيرا حين أجد التهافت على الصين من قبل التجار المصريين لشراء المنتجات رخيصة الثمن , و الاستفادة من طاقات هائلة كالطاقة الصينية ليس فيه ما يحزن , إنما المحزن أن جل ما يستورد هو في السلع الاستهلاكية البحتة , من ألعاب أطفال و زينة و أدوات منزلية , و غيرها مما ينتج أصلا في بلادنا , فيساهم المستورد - علم أو لم يعلم - في تخريب السوق المحلي , و تحويله سوقا استهلاكيا معتمدا على الخارج .
و لو فكر هؤلاء في شيء غير الربح السريع , فتركوا ما ننتجه نحن في مصانعنا , و استوردوا لنا ما لا ننتجه و نحتاجه في ذات الوقت , و استوردوا لنا أدوات و معدات الإنتاج لكان خيرا لنا و أجرا لهم .
الملابس الصينية رخيصة الثمن , لكننا ننتج ملابس محلية , فما ضر هذا المستورد لو أتى لنا بمعدات حديثة رخيصة الثمن من الصين لتقل تكلفة إنتاج مصانعنا للملابس ؟ فيحفظ لنا سوقنا دونا إغراق , و ينمي مصانعنا .
العقبة الرئيسية هي أن سوقنا استهلاكية بشكل أساسي , و تريد أن تلبي رغباتها و لا تدري حقيقة حاجاتها , و تبقى هذه مهمة المستورد صاحب الرسالة طالب أجر الشهادة , أن يدرس حاجات المجتمع و ليس حاجات السوق , و يتفنن في الدعاية لما يراه من لب حاجاته حتى يروج لها , و يعتبر نفسه صانع دواء مر , يضيف عليه الحلوى ليسيغه المريض .
و ليعلم التاجر و المستورد أنه حين يضرب في الأرض فلن يربح بدهائه و لا كياسته , و إنما كما قال الله ( يبتغون من فضل الله ) فهو فضل الله أولا و آخرا , يعطيه من يشاء , فلو توكل على الله و حمل هم أمته , لوجد فضل الله عظيما .
و تظل المشكلة مشكلة نفوس لا مشكلة فلوس , فأين لنا مثل هذا التاجر الشريف الضارب في الأرض ابتغاء فضل الله , الباغي ثواب الشهادة ؟
و الله أعلم .