الاثنين، 31 مايو 2010

حريتنا (1)

لعل مصطلح ( الحرية ) هو من أكثر المصطلحات شيوعا في اللغة الإعلامية و الصحفية – و الرسمية الحكومية – في بلادنا , في فترات تسعى فيها الشعوب لنيل ( الحرية ) بينما تؤكد السلطات الحاكمة أن ( الحرية ) موجودة فعلا !!!

و في هذا السياق , تجد التيارات المختلفة تفسر ( الحرية ) تفسيرا نابعا من ثقافتها , فتتفق في جوانب , و تختلف – و ربما تتناقض – في أخرى , مثل ( حرية السوق ) , بينما يتفق الجميع على ( حرية الاعتقاد ) و ( حرية الفكر ) و ( حرية التعبير ) و غيرها – و لو شكليا .

و كثير من المنادين بالحرية ينادون بحرية على ( النمط الغربي ) , و لا عجب , فالحرية ليست قيمة ثابتة مطلقة عند كل الشعوب و الثقافات , فلكل ثقافة مفهومها الخاص للحرية , تشترك في أمور و تفترق في أخرى , و مما تشترك فيه ( الحريات ) المختلفة , أنها كلها ( نسبية ) و ليست ( مطلقة ) , أو ( مقيدة ) و ( ذات حدود ) بمعنى آخر .
ففرنسا صاحبة ( الثورة الفرنسية ) التي كانت شرارة انطلاق الحضارة الغربية الحديثة , و التي تعتبر مهدا للحريات في نمطها الغربي , هي نفسها التي تشرّع لتقييد حريات بعض مواطنيها في ارتداء الزي الذي يؤمنون به ( النقاب و الحجاب ) لأنه ( لا يتفق مع قيم المجتمع ) , و بغض النظر عن صحة ذلك التبرير من عدمها , فإن ذلك برهان على نسبية قيمة الحرية في الغرب , و الولايات المتحدة مثلا محظور فيها إنشاء الأحزاب الشيوعية , و هكذا , فالحرية المطلقة غير موجودة على سطح الأرض , و لن توجد , فهي ضد طبيعة البشر الفردية و الاجتماعية .

لكن الحرية قيمة أصيلة في تراثنا العربي و الإسلامي , و ليست ( منتجا غربيا ) مستوردا فقط , بل ذات جذور عميقة في مجتمعاتنا , و لا يلغي هذه الحقيقة أن علت تلك القيمة الفريدة أطنان من التراب و الركام من جراء سني التخلف و التقهقر ثم الاحتلال ثم الاستبداد , فمما تمتاز به أمتنا أنها تمرض و لا تموت , و تظل قيمها قادرة على الانبعاث بعد طول ركود كالعنقاء من تحت الرماد .

و قيمة الحرية في تراثنا تختلف كثيرا عن قيمة الحرية ( الليبرالية ) , حتى في تراث العرب قبل الإسلام , فقد كان لدى العرب – على ما هم فيه من فرقة و تخلف و وثنية – من الشيم الإنسانية و السجايا الرفيعة , ما جعل إعادة بعث الإنسان من مواته بالإسلام – بعد فضل الله تعالى – على أيديهم .

و بما أن الشعر و الحكم و الأمثال هي ديوان العرب , و مخزن قيمهم و مستودع ثقافتهم , فإن دلالة مصطلح الحرية في أمثال و أشعار و حكم العرب مهم جدا في تفسير معنى الحرية كقيمة عربية أصيلة .

و مما جاءنا في ذلك , ما يدل على أن ( الحر ) لدى العرب غير ( الحر ) في مصطلح التيارات المتأثرة بالفكر الغربي الحديث , فبينما ( الحر ) الليبرالي مثلا هو ( المتحرر من كل قيد ثقافي أو سياسي أو اقتصادي ) , فإن ( الحر ) العربي يتصف بصفات أخرى و معايير مختلفة , فكثيرا ما نقرأ ( الحر يفعل كذا ) ( الحر لا يفعل كذا ) , و من ذلك ( العبد يقرع بالعصا و الحر تكفيه الإشارة ) , ( تموت الحرة و لا تأكل بثدييها ) , ( وعد الحر دين عليه ) ,
و (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد ) , ( يد الحر ميزان ) , و ترنم الإمام الشافعي – رضي الله عنه – قائلا : ( همتي همة الملوك و نفسي ... نفس حر ترى المذلة كفرا ) , و ( الحر من راعى وداد لحظة ... أو انتمى لمن أفاده لفظة ) , و قول هند بنت عتبة حين أتت تبايع النبي – صلى الله عليه و سلم – فبايعها البيعة المعروفة ب ( ببيعة النساء ) و التي من بنودها ( ألا تزنين ) , فقالت مستغربة – و هي لم تصطبغ بالإسلام بعد - ( أو تزني الحرة ؟ ! ) .

و طبعا مع عدم الخلط بين التعريف و الوصف , فتلك الأمثال و الحكم هي في ( وصف الحر ) لا ( تعريف الحرية ) , لكن الوصف أحيانا يكون ملازما للتعريف , بحيث إن فقد الوصف فلا معنى للتعريف لأنه يصبح مفرغا من مضمونه , و هذا ما أعتقده عن تلك الأوصاف , أنها ملازمة للتعريف لصيقة به .

و هي دعوة لاستعراض ما جاء في شعر العرب و حكمهم و أمثالهم من وصف ل ( الحر ) و ( الحرة ) , فأكثرها يتمحور حول أن ( الحر ) هو من تحرر من الأخلاق الوضيعة , و ترفع عن الدنايا , و تحلى بالمروءة , فهو حر من غلبة الهوى على عقله , و حر من غلبة الجبن على قلبه , و حر من الخضوع لغيره ممن يساويه في بشريته , حر عن الطمع في المتاع و إذلال نفسه للحصول عليه , حر عن البخل , حر عن القعود عن نجدة الملهوف , و حر عن كل ما يوصف عربيا ب ( أخلاق العبيد ) , فالعبودية تنتج أخلاقا وصفها العرب بالعبد الذي ( إذا جاع سرق و إذا شبع زنى ) , و هو تعبير مجازي لا يقصد به السرقة و الزنا تحديدا بقدر ما يقصد به دناءة الخلق في الفقر و الغنى .

بل إن الله تعالى راعى الفرق بين المرحلتين ( الحرية و العبودية ) و الفترة الانتقالية التي تمر بالمتحول من الثانية للأولى , و ما قد يلصق به من دنايا الأخلاق التي لم يتخلص منها من بقايا عبوديته , فقد جعل الله حد الجارية التي تتزوج حين تزني هو نصف الحد المفترض على الحرة حين قال تعالى ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) .
فالحرية هي التخلي عما يقيد العقول و العزائم من الهوى و الطمع و الجبن و البخل , و عن السكوت على الظلم و الضيم , و ليست بالمفهوم الغربي للحرية الشخصية أو الحرية الفردية و التي تجعل الفرد حرا طالما لم يتعد حدود دائرته إلى دائرة مجتمعه , بل هي حرية ليست مجرد حرية مقيدة بفضائل الأخلاق , بل ملازمة لفضائل الأخلاق , بل هي فضائل الأخلاق .

فهذا طرف من ( الحرية ) في تراثنا , و هي كما وصفنا , قيمة ملازمة لقيم أخرى لصيقة بها , محققة التناسق الفطري بين القيم و الأخلاق , فليست القيم الحميدة منعزلة عن بعضها , بل هي كحبات خرز منظومة في سلك واحد , تشكل بمجموعها شيئا قيما , بينما ربما لا تمثل الواحدة منها الكثير إن انعزلت عن أخواتها .

هذا كله عن ( الحر ) كفرد , فماذا عن ( الحر ) كوصف للمجتمع و الدولة ؟ هذا ما نتعرض له إن شاء الله تعالى إن كان في العمر بقية , و في الوقت متسع , و في الذهن مساحة , و في القلم مزاج مناسب .

و الله أعلم .

الثلاثاء، 9 مارس 2010

الانتفاضة بقرار !!!

لم أعد أصبر على الكتابة , ربما لأن الأحداث أسرع من الذهن .
لكن , عندما رأيت برنامجا على قناة المقاومة و الجهاد ( الأقصى ) يتحدث عن ( هل الدعوة لانتفاضة ثالثة واقعية ؟ ) , أدركت مدى عمق الهاوية التي انحدرنا إليها , أدركت حجم ورطتنا , أدركت , أدركت ..........

الانتفاضة لا تستجدى , لا يتحدث عنها قبل هبوبها , هي عاصفة فجائية تهب تلقائيا , ربما يكون للحركة دور في إشعالها أو توجيهها , لكنها تظل - و يجب أن تظل - شعبية .

معنى الحديث المتكرر عن اندلاع انتفاضة و الحث على ذلك قبل بزوغ تباشير فعلية لها , هو دليل على أن الضغط المتوالي منذ سنين على الحركة الإسلامية في مصر و الضفة الغربية , قد أضعف فاعليتها , و أوصل الجماهير إلى حالة هي خليط من التبلد و اليأس و انتظار المنقذ .

هل فعلا يمكن أن تندلع انتفاضة بقرار ؟ هل يمكن أن ( نصنع ) انتفاضة بتخطيط ؟

هذا هو الأمل الوحيد حاليا , و أسأل الجبار القهار القوي المتين  أن يعيننا على ذلك .

الأحد، 10 يناير 2010

و قال الشهيد


صدع بها الشهيد , و وقع عليها بدمه , ليثبت أن من صدق الله , صدقه الله .
رحمك الله يا شهيدنا الحبيب .... سيد قطب

أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا فماذا يضيرك كيد العبيد
***
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من بعــيد
***
أخي قد أصابك سهم ذليل وغدرًا رماك ذراع كليل
ستبتر يومًا فصبر جميل ولم يدم بعد عرين الأسود
***
أخي قد سرت من يديك الدماء أبت أن تشل بقيد الإماء
سترفع قربانها... للسماء مخضبة بوسام الخلود
***
أخي هل تراك سئمت الكفاح وألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسي... الجراح ويرفع رايتها من جديد
***
أخي هل سمعت أنين التراب تدك حصاه جيوش الخراب
تمزق أحشاءه بالحراب وتصفعه وهو صلب عنـيد
***
أخي إنني اليوم صلب المراس أدك صخور الجبال الرواس
غدًا سأشيح بفأس الخلاص رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد
***
أخي إن نمت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
***
أخي إنني ما سئمت الكفاح ولا أنا ألقيت عني السلاح
وإن طوقتني جيوش الظلام فإني على ثقة ... بالصباح
***
وإني على ثقة من طريقي إلى الله رب السنا والشروق
فإن عافني السوق أو عقني فإني أمين لعهدي الوثيق
***
أخي أخذوك على إثرنا وفوج على إثر فوج جديد
فإن أنا مت فإني شهيد وأنت ستمضي بنصر جديد
***
قد اختارنا الله في دعوته وإنا سنمضي على سنته
فمنا الذين قضوا نحبهم ومنا الحفيظ على ذمته
***
أخي فامض لا تلتفت للوراء طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت هاهنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء
***
فلسنا بطير مهيض الجناح ولن نستذل ولن نستباح
وإني لأسمع صوت الدماء قويًا ينادي الكفاح الكفاح
***
سأثار لكن لرب ودين وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام وإما إلى الله في الخالدين

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

حاسوبي العزيز ..... شكرا

حاسوبي العزيز

هو أملي في إتمام أعمالي المكلف بها , لا يمكن العمل من دون حاسوب هذه الأيام .
بدأت نظام تشغيله , و كان لازال جديدا و سريعا جدا , كان يذهلني بسرعته , و لم تكن ذاكرته قد امتلأت بعد , و كانت برامجه قليلة و أعباؤه خفيفة , فكان يؤدي المطلوب على أحسن وجه , و نادرا ما توقف مني - بالتعبير الدارج ( هنج ) - و كنت سعيدا به لأبعد الحدود .

بعد فترة بدأت البرامج المحملة عليه تزداد , و المعلومات و البيانات و المنجزات عليه تتراكم , مما أكسبه قيمة إضافية لما يحمله من خبرات .
لكني لاحظت تباطئا في أدائه و توقفا متكررا , سألت أحد المتخصصين , فأخبرني أن هذا شيء طبيعي جدا في نظام التشغيل , دونما تدخل خارجي كلما تقادم عمره و امتلأت ذاكرته و زادت برامجه و أعباؤه و ملفاته , حدثت المشاكل و الأخطاء التلقائية , لابد أن يحدث هذا , لا يوجد جهاز واحد يخلو من ذلك .
قلت له : فهل لذلك من حل ؟ أم أسكت على الأخطاء تلك ؟ قال : لا طبعا , السكوت على الأخطاء مضر لأنها ستتراكم و تزداد , المهم أن تعرف كيف تتعامل معها و تعالجها , و هناك برامج متخصصة لعلاج تلك الأخطاء , و أعطاني بعض البرامج ( tune up utilities - c cleaner - ............. ) , و بالفعل حسنت كثيرا من أدائه , و صرت مواظبا على علاج الأخطاء التي تتكرر كثيرا , و لكني أصبحت أكثر خبرة و أتفهم حدوث تلك الأخطاء و أعالجها بهدوء .

و لازلت سعيدا بجهازي , و فخورا به أيضا , فهو يعينني على القيام بعملي المكلف به , و لا أدري ماذا كنت أفعل دونه ؟

بعد فترة , حدثت معي أشياء غريبة تزامنت مع بدء اتصالي بشبكة الإنترنت و تواصلي مع الآخرين بنقل بياناتهم إلى جهازي عن طريق الذاكرة المحمولة usb memory , بدأت بعض برامج الجهاز في التعطل , و التوقف زاد كثيرا , سألت صاحبي قلقا , هل أستغني عنه ؟

ضحك قائلا : يبدو أنه ليس لديك خبرة بالحواسيب , هذا أمر طبيعي , ما إن تبدأ في تكثيف اتصالك بالعالم الخارجي , حتى تبدأ في تلقي الآثار الجانبية , ( الفيروسات ) يا صاحبي .

و أرشدني إلى أن هذه الفيروسات من صنع بشر أشرار يريدون إفساد أجهزة الناس , و الحل موجود , برامج anti-virus و هي أنواع , و تحتاج لتحديث دائم و يقظة لمراقبة التدخلات الخارجية في جهازك .

فعلت ما أوصاني به , فتحسن أداء الحاسوب كثيرا , و استمر الحال هكذا , مشاكل داخلية تعطلني حينا فأسعى لعلاجها , و تهديدات خارجية أقوم بصدها , و الجهاز يتحسن حينا و يتعطل حينا , و حينا أعيد تنزيل نظام تشغيل جديد .

لكني لا أسمح بالتنازل عما أنجزه حاسوبي المخلص طوال فترات عمله , أحدث كثيرا بعض مكوناته ليتلائم أداؤه مع متغيرات العصر , و أحتفظ دوما ببيانته و ملفاته , و لازلت أراه أملي في إنجاز ما كلفت به .

و لازلت فخورا به .

حاسوبي العزيز ........ شكرا

مغزى القصة :
الكيان القائم بعمل ما , لابد أن تحدث فيه أخطاء و سلبيات , هذه طبيعة التجمعات البشرية , و كلما صغر حجم الكيان و قلت مهامه و منجزاته , قلت أخطاؤه و ربما لم تظهر على السطح أصلا .
بينما إن كبر الكيان و زادت مهامه و أعباؤه و تراكمت منجزاته , زادت الأخطاء المتولدة بشكل تلقائي من الحركة و العمل , و هذا لا ينقص من قيمة الكيان شيئا و لا منجزاته , لكن يتطلب وعيا و يقظة لعلاج ما يبدو من أخطاء و الوقاية منها مستقبلا .
بينما إن كان الكيان في حالة اتصال فعال مكثف مع العالم الخارجي , كان أكثر تعرضا للأخطاء , و أصبح عرضة للمخربين أن يستغلوا اتصالهم به ليحاولوا التشويش على مسيرته .
و هذا يتطلب تخصصا في مواجهة تلك التحديات و تحديثا مستمرا لأساليب المواجهة تبعا لتحخديث الخصوم أساليبهم .

و أثناء كل هذا , لابد من التطوير و التحديث لهياكل و برامج الكيان ليواكب التغيرات العصرية , كل هذا مع الاحتفاظ بتاريخه و منجزاته التي قام بها , و استغلاله ليحدث تراكم مزيد من المنجزات .

و مع كل هذا , كياني العزيز ( الإخوان المسلمين ) ...... شكرا .

الأحد، 13 ديسمبر 2009

ماذا أقول ؟!!!

لم أعرف ماذا أقول له , فوجدت أبا العتاهية قرأ ما في نفسي , فقال على لساني مناجيا إياه :

إلهـي لا تعذبنـي فإني.......مقـر بالـذي قـد كـان منـي
و ما لي حيلة إلا رجائي.....وعفوك إن عفوت و حسن ظنـي

فكم من زلة لي في البرايا.....وأنت علـيّ ذو فضـلٍ و مـنِّ
إذا فكرت في ندمي عليها ......عضضت أناملي و قرعت سني

يظن الناس بي خيراً و إني ......لشر الناس إن لم تعف عنـي
أجن بزهرة الدنيا جنوناً ........وأفني العمـر فيهـا بالتمنـي

و بين يدي محتبس ثقيل .......كأنـي قـد دعيـت لـه كأنـي
و لو أني صدقت الزهد فيها ....قلبت لأهلهـا ظهـر المجـنِ


الجمعة، 27 نوفمبر 2009

الهدف التائه .

حدد هدفه جيدا , يريد إنشاء صرح ضخم لصناعة السيارات برأس مال من مئات الملايين من الدولارات , لكن ... جيبه خاو على عروشه إلا من مائتين من الجنيهات , فماذا يفعل ؟
درس الأمر جيدا , فوجد أنه لو ملك عشرة آلاف دولار , فيمكنه شراء محرك قديم , و يعكف عليه ليسبر أغواره و يعرف أسراره , ثم يطوره ليعمل بضعف كفاءته , ثم يبيعه , و من ثم يعمل بتجديد وتطوير المحركات القديمة , حتى يملك مبلغا يقارب الملايين الخمسة , ثم يمكنه بعده إنشاء مصنع متخصص في صناعة المحركات , و يكون نواة لإنشاء مصنع السيارات الذي يحلم به .

حلم كبير جميل , صعب المنال , لكن كيف يتحصل على الآلاف العشرة من الدولارات ؟
درس السوق جيدا , فوجد أن أسرع وسيلة لجني الأرباح الصغيرة هي التجارة في كروت شحن الهواتف المحمولة , الأمر بسيط , سيشتري بمائتين من الجنيهات ليبيع بمائتين و خمسين , و هكذا , و في خلال ثلاث سنوات على الأكثر , سيتمكن من جمع الآلاف العشرة .

بدأ التنفيذ فعلا , و لكن ..............
اشترى بمائة و خمسين فقط و باع بثلاثمائة , برقت عيناه , و في خلال عام واحد فقط حصل آلافا خمسة , و في العام الثاني بلغت أرباحه عشرين ألفا , قرر الاستمرار لمدة أخرى , ربح ثلاثين ألفا , افتتح متجرا واسعا لتجارة كروت الشحن , الأرباح تتزايد بشكل غير متخيل , استطاع تحصيل خمسين ألفا من الدولارات , لكن ..........

استمرأ العملية , توسع في تجارته , نسي هدفه الأصلي , بلغ به الأمر أن حصل على توكيل حصري من شركة اتصالات كبرى ليكون الموزع الوحيد لكروت شحن تلك الشبكة , أرباحه تجاوزت الملايين , لكن .......... أين المصنع ؟

أعتذر بداية عن غرابة القصة , و ربما عدم منطقيتها اقتصاديا فلست بارعا في هذا الشأن , لكن أردت التمثيل فقط .

غياب الانشغال بالهدف و نصاعة وضوحه في تفس العاملين , قد يؤدي بهم إلى مثل هذا الرجل , مع أنه لم يخسر فعليا , فربما كان العمل في الاتصالات أجدى مثلا .

الهدف المرحلي لابد أن يظل مرحليا , يؤدي دوره لا أكثر , مهما كان بريقه , فالغاية الكبرى تلوح للعامل , قد يشترك الداعية المصلح في أهدافه المرحلية مع غيره من التيارات الأخرى - الغير إسلامية حتى - و ربما تتطابق أهدافهما في مرحلة ما , لكن لابد أن يكون هدفه الأكبر نصب عينيه , لا ينشغل عنه , و لا يعني الاشتراك في النتيجة الاشتراك في المقدمات , فالتيارات الليبرالية مثلا أقصى ما تطمح إليه هو الحرية الاقتصادية و السياسية و الفكرية , و يتشارك في هذه المرحلة معهم الداعية في طلب الحرية الاقتصادية و السياسية و الفكرية , لكن تشابه النتائج ذلك لا يعني تشابه المقدمات , فشتان بين منطلقه و منطلقهم , شتان بين من يريد الدنيا و من يريد الآخرة و يجعل الدنيا قنطرة لها .

الداعية المصلح هدفه الكبير ( تعبيد العالمين لله رب العالمين ) و سيادة الإسلام على الدنيا , و ليس فقط حريته في الدعوة , و لا إنشاء حزب , و لا المشاركة في السلطة , بل و لا إقامة دولة إسلامية تحكم بشرع الله في بقعة من الأرض , و إن كانت كل هذه أهدافا مشروعة و مطلوبة شرعا , لكنها كلها أهداف مرحلية , و وسائل للوصول للهدف الكبير , و هو تحقيق مهمة المسلم في الأرض , و هو ما يسميها الأستاذ الكبير ( عمر عبيد حسنة ) ( الشهود الحضاري ) أخذا من قول الله تعالى ( و تكونوا شهداء على الناس ) فهي شهادة في الدنيا و الآخرة , و علو منزلة للأمة في الدنيا بالسيادة و في الآخرة بالشهادة على بقية الأمم .

ليست هناك مشكلة أن يتشارك هدفه المرحلي مع العلمانيين , لكن المصيبة الكبرى أن يصبح هذا الهدف المرحلي غاية المنتهى .
لذلك كان الإمام البنا يذكر من عدة الفئة المصلحة ( معرفة بالمبدأ و إيمان به , و تقدير له , يعصم من الخطا فيه , أو الانحراف عنه , أو الخديعة بغيره , أو المساومة عليه ) .

و لذلك بعد أن ذكر طبيعة فكرة الإخوان يقول في رسالة ( الإخوان تحت راية القرآن ) :

( ولكننا أيها الناس : فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضع , ولا يقيده جنس ، ولا يقف دونه حاجز جغرافي ، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها , ذلك لأنه نظام رب العالمين ، ومنهاج رسوله الأمين .
نحن أيها الناس ـ ولا فخر ـ أصحاب رسول الله ، وحملة رايته من بعده ، ورافعو لوائه كما رفعوه ، وناشرو لوائه كما نشروه ، وحافظو قرآنه كما حفظوه ، والمبشرون بدعوته كما بشروا ، ورحمة الله للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (صّ:88) .

أيها الإخوان المسلمون : هذه منزلتكم , فلا تصغروا في أنفسكم , فتقيسوا أنفسكم بغيركم , أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين , أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله , بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات , وتذهب بها الحوادث والأيام ) .


و يقول تلميذه الأستاذ عمر التلمساني المرشد الراشد في ( ذكريات لا مذكرات ) :

( ما كانت دعوة الاخوان أساسا لتحقيق استقلال أو تحرير من استعمار وما الى ذلك من المعانى السامية المطلوبة لكنها قامت لترد المسلمين الى المنبع العامر بالحياة الكريمة والحرية النبيلة والعقيدة السليمة فإذا ما صح هذا وثبتت دعائمه فى صميم مشاعر المسلم وعقله وتفكيره رأى أن الحرية والاستعمار ضدان لا يجتمعان فى إهاب واحد وأن الحرية والظلم يتناقضان وأن العقيدة الحقة والاستعمار الاقتصادى أو الفكرى مع عزة المسلم أمور لا يمكن أن يحيا معها الانسان حياة رغد ة هادئة . لقد قامت جماعة الإخوان المسلمين أساسا لتعود بالمسلمين الى التمسك بتعاليم دينهم الصحيحة فى كل كبيرة وصغيره من شؤون هذه الحياة . فهى أصل وهى عقيدة وليست رد فعل لأى عامل من العوامل أو طارىء من الطوارىء .
فهى إذا دعت إلى إصلاح فساد منتشر أو ضلال عم فما ذلك إلا لأن هذا من صميم تعاليم الاسلام السامية النبيلة ) .

و لله درهم ,

و الله أعلم .

السبت، 7 نوفمبر 2009

عذرا أقصانا , عذرا غزة ............... عندنا لائحة !!!

وجهة نظر قد لا تلاقي استحسانا من كثير من شباب الإخوان - لا سيما المدونين و الناشطين على الشبكة , لكن هذا ما بقلبي و فكري , و أنا لا أبغي رضا أحد و لا استحسانه , و حسبي أن يرضى عني ربي .

العريان و اللائحة و أمن الدولة و المخابرات الدولية و الأقصى .

إن كان الأمر مقصودا فقد نجحوا , و إن لم يكن مقصودا فقد أعطيناهم مالم يحلموا به !!!

مراحل هدم المسجد الأقصى تجري على قدم و ساق , و تتسارع بشدة , و حصار غزة على أشده , و الضغط السياسي المصري يتزايد و تتعدد أشكاله على المقاومة لإجبارها على التسليم , و القضية الفلسطينية تتجه إلى منعطفات خطيرة جدا في سبيل تصفيتها نهائيا , و السياسة الأمريكية تزداد وقاحة يوما بعد يوم , و الوقاحة المصرية و العربية أيضا .

بينما نخبة مهمة من شباب الدعوة و الصحوة , منشغلون بقضايا - من وجهة نظري - لا تستحق الانشغال بها أصلا في الأحوال العادية , فما بالك بظرف خطير كالذي نمر به ؟

( أشكيناز ) يهدد بحرب جديدة على غزة في يناير المقبل , و يتوعد ألا يستثني مستشفى و لا مدرسة و لا حتى حضانة , فكيف استقبلنا هذا الخبر ؟ عدوان شبه مؤكد , و توقعات بتعجيل مسلسل هدم المسجد الأقصى , فأين رؤية الشباب المتحمسة لمواجهة هذا العدو ؟!!!

قال لي أحد الإخوان : لا تقلق , لن يستطيعوا هدم المسجد , قلت له أن هذا وهم كبير , ليس هناك ما يمنع , و لن يرسل الله طيرا أبابيل , و قد هدمت الكعبة سابقا , و منع القرامطة الحج سنين , و سرقوا الحجر الأسود .

جماعة الإخوان جماعة ربانية المنهج بشرية التطبيق , فيها السلبيات و الأخطاء كأي تجمع بشري , قد نختلف في نسبة السلبيات أو سبل مواجهتها أو كون بعض الممارسات سلبيات أصلا أم لا , لكن أن يشغلنا هذا الجدل عن قضية الأمة المركزية , فهذا ما لا يمكن أن يقبل .

مطلوب منا - كشباب دعوة و حملة رسالة - أن نوجه غالب طاقاتنا و أفكارنا لمواجهة المشروع الصهيوني المتنامي , و أن يجد قياداتنا منا ضغطا دائما يشد على أيديهم و يعطيهم دفعة و ثقة حين يتخذون قرارات هامة أن وراءهم صفا قويا مجاهدا , على استعداد لبذل الغالي و النفيس , حتى لا يحجموا قليلا خشية اعتقالات أو مواجهات لا يتحملها الصف , بل يشعروا أن غياب مستوى قيادي سيخلفه ألف غيرهم , و أن آلاف المعتقلين لن يثني الشباب الثائر الغيور .

مطلوب منا إمداد القيادات بسيول من الأفكار غير التقليدية من سبل المواجهة , و البدء بتنفيذ ما يمكن تنفيذه فرديا فعلا , و استعجال البت فيما يحتاج لقرار الجماعة .

أعتقد أن هذا أهم كثيرا مما انشغل به الكثيرون حول اللائحة و مكتب الإرشاد و الدكتور عصام العريان , قبل أن تتحول الصحوة إلى غفوة .

و الله أعلم .