لعل مصطلح ( الحرية ) هو من أكثر المصطلحات شيوعا في اللغة الإعلامية و الصحفية – و الرسمية الحكومية – في بلادنا , في فترات تسعى فيها الشعوب لنيل ( الحرية ) بينما تؤكد السلطات الحاكمة أن ( الحرية ) موجودة فعلا !!!
و في هذا السياق , تجد التيارات المختلفة تفسر ( الحرية ) تفسيرا نابعا من ثقافتها , فتتفق في جوانب , و تختلف – و ربما تتناقض – في أخرى , مثل ( حرية السوق ) , بينما يتفق الجميع على ( حرية الاعتقاد ) و ( حرية الفكر ) و ( حرية التعبير ) و غيرها – و لو شكليا .
و كثير من المنادين بالحرية ينادون بحرية على ( النمط الغربي ) , و لا عجب , فالحرية ليست قيمة ثابتة مطلقة عند كل الشعوب و الثقافات , فلكل ثقافة مفهومها الخاص للحرية , تشترك في أمور و تفترق في أخرى , و مما تشترك فيه ( الحريات ) المختلفة , أنها كلها ( نسبية ) و ليست ( مطلقة ) , أو ( مقيدة ) و ( ذات حدود ) بمعنى آخر .
ففرنسا صاحبة ( الثورة الفرنسية ) التي كانت شرارة انطلاق الحضارة الغربية الحديثة , و التي تعتبر مهدا للحريات في نمطها الغربي , هي نفسها التي تشرّع لتقييد حريات بعض مواطنيها في ارتداء الزي الذي يؤمنون به ( النقاب و الحجاب ) لأنه ( لا يتفق مع قيم المجتمع ) , و بغض النظر عن صحة ذلك التبرير من عدمها , فإن ذلك برهان على نسبية قيمة الحرية في الغرب , و الولايات المتحدة مثلا محظور فيها إنشاء الأحزاب الشيوعية , و هكذا , فالحرية المطلقة غير موجودة على سطح الأرض , و لن توجد , فهي ضد طبيعة البشر الفردية و الاجتماعية .
لكن الحرية قيمة أصيلة في تراثنا العربي و الإسلامي , و ليست ( منتجا غربيا ) مستوردا فقط , بل ذات جذور عميقة في مجتمعاتنا , و لا يلغي هذه الحقيقة أن علت تلك القيمة الفريدة أطنان من التراب و الركام من جراء سني التخلف و التقهقر ثم الاحتلال ثم الاستبداد , فمما تمتاز به أمتنا أنها تمرض و لا تموت , و تظل قيمها قادرة على الانبعاث بعد طول ركود كالعنقاء من تحت الرماد .
و قيمة الحرية في تراثنا تختلف كثيرا عن قيمة الحرية ( الليبرالية ) , حتى في تراث العرب قبل الإسلام , فقد كان لدى العرب – على ما هم فيه من فرقة و تخلف و وثنية – من الشيم الإنسانية و السجايا الرفيعة , ما جعل إعادة بعث الإنسان من مواته بالإسلام – بعد فضل الله تعالى – على أيديهم .
و بما أن الشعر و الحكم و الأمثال هي ديوان العرب , و مخزن قيمهم و مستودع ثقافتهم , فإن دلالة مصطلح الحرية في أمثال و أشعار و حكم العرب مهم جدا في تفسير معنى الحرية كقيمة عربية أصيلة .
و مما جاءنا في ذلك , ما يدل على أن ( الحر ) لدى العرب غير ( الحر ) في مصطلح التيارات المتأثرة بالفكر الغربي الحديث , فبينما ( الحر ) الليبرالي مثلا هو ( المتحرر من كل قيد ثقافي أو سياسي أو اقتصادي ) , فإن ( الحر ) العربي يتصف بصفات أخرى و معايير مختلفة , فكثيرا ما نقرأ ( الحر يفعل كذا ) ( الحر لا يفعل كذا ) , و من ذلك ( العبد يقرع بالعصا و الحر تكفيه الإشارة ) , ( تموت الحرة و لا تأكل بثدييها ) , ( وعد الحر دين عليه ) , و (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد ) , ( يد الحر ميزان ) , و ترنم الإمام الشافعي – رضي الله عنه – قائلا : ( همتي همة الملوك و نفسي ... نفس حر ترى المذلة كفرا ) , و ( الحر من راعى وداد لحظة ... أو انتمى لمن أفاده لفظة ) , و قول هند بنت عتبة حين أتت تبايع النبي – صلى الله عليه و سلم – فبايعها البيعة المعروفة ب ( ببيعة النساء ) و التي من بنودها ( ألا تزنين ) , فقالت مستغربة – و هي لم تصطبغ بالإسلام بعد - ( أو تزني الحرة ؟ ! ) .
و طبعا مع عدم الخلط بين التعريف و الوصف , فتلك الأمثال و الحكم هي في ( وصف الحر ) لا ( تعريف الحرية ) , لكن الوصف أحيانا يكون ملازما للتعريف , بحيث إن فقد الوصف فلا معنى للتعريف لأنه يصبح مفرغا من مضمونه , و هذا ما أعتقده عن تلك الأوصاف , أنها ملازمة للتعريف لصيقة به .
و هي دعوة لاستعراض ما جاء في شعر العرب و حكمهم و أمثالهم من وصف ل ( الحر ) و ( الحرة ) , فأكثرها يتمحور حول أن ( الحر ) هو من تحرر من الأخلاق الوضيعة , و ترفع عن الدنايا , و تحلى بالمروءة , فهو حر من غلبة الهوى على عقله , و حر من غلبة الجبن على قلبه , و حر من الخضوع لغيره ممن يساويه في بشريته , حر عن الطمع في المتاع و إذلال نفسه للحصول عليه , حر عن البخل , حر عن القعود عن نجدة الملهوف , و حر عن كل ما يوصف عربيا ب ( أخلاق العبيد ) , فالعبودية تنتج أخلاقا وصفها العرب بالعبد الذي ( إذا جاع سرق و إذا شبع زنى ) , و هو تعبير مجازي لا يقصد به السرقة و الزنا تحديدا بقدر ما يقصد به دناءة الخلق في الفقر و الغنى .
بل إن الله تعالى راعى الفرق بين المرحلتين ( الحرية و العبودية ) و الفترة الانتقالية التي تمر بالمتحول من الثانية للأولى , و ما قد يلصق به من دنايا الأخلاق التي لم يتخلص منها من بقايا عبوديته , فقد جعل الله حد الجارية التي تتزوج حين تزني هو نصف الحد المفترض على الحرة حين قال تعالى ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) .
فالحرية هي التخلي عما يقيد العقول و العزائم من الهوى و الطمع و الجبن و البخل , و عن السكوت على الظلم و الضيم , و ليست بالمفهوم الغربي للحرية الشخصية أو الحرية الفردية و التي تجعل الفرد حرا طالما لم يتعد حدود دائرته إلى دائرة مجتمعه , بل هي حرية ليست مجرد حرية مقيدة بفضائل الأخلاق , بل ملازمة لفضائل الأخلاق , بل هي فضائل الأخلاق .
فهذا طرف من ( الحرية ) في تراثنا , و هي كما وصفنا , قيمة ملازمة لقيم أخرى لصيقة بها , محققة التناسق الفطري بين القيم و الأخلاق , فليست القيم الحميدة منعزلة عن بعضها , بل هي كحبات خرز منظومة في سلك واحد , تشكل بمجموعها شيئا قيما , بينما ربما لا تمثل الواحدة منها الكثير إن انعزلت عن أخواتها .
هذا كله عن ( الحر ) كفرد , فماذا عن ( الحر ) كوصف للمجتمع و الدولة ؟ هذا ما نتعرض له إن شاء الله تعالى إن كان في العمر بقية , و في الوقت متسع , و في الذهن مساحة , و في القلم مزاج مناسب .
و الله أعلم .
الاثنين، 31 مايو 2010
الثلاثاء، 9 مارس 2010
الانتفاضة بقرار !!!
لم أعد أصبر على الكتابة , ربما لأن الأحداث أسرع من الذهن .
لكن , عندما رأيت برنامجا على قناة المقاومة و الجهاد ( الأقصى ) يتحدث عن ( هل الدعوة لانتفاضة ثالثة واقعية ؟ ) , أدركت مدى عمق الهاوية التي انحدرنا إليها , أدركت حجم ورطتنا , أدركت , أدركت ..........
الانتفاضة لا تستجدى , لا يتحدث عنها قبل هبوبها , هي عاصفة فجائية تهب تلقائيا , ربما يكون للحركة دور في إشعالها أو توجيهها , لكنها تظل - و يجب أن تظل - شعبية .
معنى الحديث المتكرر عن اندلاع انتفاضة و الحث على ذلك قبل بزوغ تباشير فعلية لها , هو دليل على أن الضغط المتوالي منذ سنين على الحركة الإسلامية في مصر و الضفة الغربية , قد أضعف فاعليتها , و أوصل الجماهير إلى حالة هي خليط من التبلد و اليأس و انتظار المنقذ .
هل فعلا يمكن أن تندلع انتفاضة بقرار ؟ هل يمكن أن ( نصنع ) انتفاضة بتخطيط ؟
هذا هو الأمل الوحيد حاليا , و أسأل الجبار القهار القوي المتين أن يعيننا على ذلك .
الأحد، 10 يناير 2010
و قال الشهيد
صدع بها الشهيد , و وقع عليها بدمه , ليثبت أن من صدق الله , صدقه الله .
رحمك الله يا شهيدنا الحبيب .... سيد قطب
أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا فماذا يضيرك كيد العبيد
***
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من بعــيد
***
أخي قد أصابك سهم ذليل وغدرًا رماك ذراع كليل
ستبتر يومًا فصبر جميل ولم يدم بعد عرين الأسود
***
أخي قد سرت من يديك الدماء أبت أن تشل بقيد الإماء
سترفع قربانها... للسماء مخضبة بوسام الخلود
***
أخي هل تراك سئمت الكفاح وألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسي... الجراح ويرفع رايتها من جديد
***
أخي هل سمعت أنين التراب تدك حصاه جيوش الخراب
تمزق أحشاءه بالحراب وتصفعه وهو صلب عنـيد
***
أخي إنني اليوم صلب المراس أدك صخور الجبال الرواس
غدًا سأشيح بفأس الخلاص رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد
***
أخي إن نمت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
***
أخي إنني ما سئمت الكفاح ولا أنا ألقيت عني السلاح
وإن طوقتني جيوش الظلام فإني على ثقة ... بالصباح
***
وإني على ثقة من طريقي إلى الله رب السنا والشروق
فإن عافني السوق أو عقني فإني أمين لعهدي الوثيق
***
أخي أخذوك على إثرنا وفوج على إثر فوج جديد
فإن أنا مت فإني شهيد وأنت ستمضي بنصر جديد
***
قد اختارنا الله في دعوته وإنا سنمضي على سنته
فمنا الذين قضوا نحبهم ومنا الحفيظ على ذمته
***
أخي فامض لا تلتفت للوراء طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت هاهنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء
***
فلسنا بطير مهيض الجناح ولن نستذل ولن نستباح
وإني لأسمع صوت الدماء قويًا ينادي الكفاح الكفاح
***
سأثار لكن لرب ودين وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام وإما إلى الله في الخالدين
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)