حدد هدفه جيدا , يريد إنشاء صرح ضخم لصناعة السيارات برأس مال من مئات الملايين من الدولارات , لكن ... جيبه خاو على عروشه إلا من مائتين من الجنيهات , فماذا يفعل ؟
درس الأمر جيدا , فوجد أنه لو ملك عشرة آلاف دولار , فيمكنه شراء محرك قديم , و يعكف عليه ليسبر أغواره و يعرف أسراره , ثم يطوره ليعمل بضعف كفاءته , ثم يبيعه , و من ثم يعمل بتجديد وتطوير المحركات القديمة , حتى يملك مبلغا يقارب الملايين الخمسة , ثم يمكنه بعده إنشاء مصنع متخصص في صناعة المحركات , و يكون نواة لإنشاء مصنع السيارات الذي يحلم به .
حلم كبير جميل , صعب المنال , لكن كيف يتحصل على الآلاف العشرة من الدولارات ؟
درس السوق جيدا , فوجد أن أسرع وسيلة لجني الأرباح الصغيرة هي التجارة في كروت شحن الهواتف المحمولة , الأمر بسيط , سيشتري بمائتين من الجنيهات ليبيع بمائتين و خمسين , و هكذا , و في خلال ثلاث سنوات على الأكثر , سيتمكن من جمع الآلاف العشرة .
بدأ التنفيذ فعلا , و لكن ..............
اشترى بمائة و خمسين فقط و باع بثلاثمائة , برقت عيناه , و في خلال عام واحد فقط حصل آلافا خمسة , و في العام الثاني بلغت أرباحه عشرين ألفا , قرر الاستمرار لمدة أخرى , ربح ثلاثين ألفا , افتتح متجرا واسعا لتجارة كروت الشحن , الأرباح تتزايد بشكل غير متخيل , استطاع تحصيل خمسين ألفا من الدولارات , لكن ..........
استمرأ العملية , توسع في تجارته , نسي هدفه الأصلي , بلغ به الأمر أن حصل على توكيل حصري من شركة اتصالات كبرى ليكون الموزع الوحيد لكروت شحن تلك الشبكة , أرباحه تجاوزت الملايين , لكن .......... أين المصنع ؟
أعتذر بداية عن غرابة القصة , و ربما عدم منطقيتها اقتصاديا فلست بارعا في هذا الشأن , لكن أردت التمثيل فقط .
غياب الانشغال بالهدف و نصاعة وضوحه في تفس العاملين , قد يؤدي بهم إلى مثل هذا الرجل , مع أنه لم يخسر فعليا , فربما كان العمل في الاتصالات أجدى مثلا .
الهدف المرحلي لابد أن يظل مرحليا , يؤدي دوره لا أكثر , مهما كان بريقه , فالغاية الكبرى تلوح للعامل , قد يشترك الداعية المصلح في أهدافه المرحلية مع غيره من التيارات الأخرى - الغير إسلامية حتى - و ربما تتطابق أهدافهما في مرحلة ما , لكن لابد أن يكون هدفه الأكبر نصب عينيه , لا ينشغل عنه , و لا يعني الاشتراك في النتيجة الاشتراك في المقدمات , فالتيارات الليبرالية مثلا أقصى ما تطمح إليه هو الحرية الاقتصادية و السياسية و الفكرية , و يتشارك في هذه المرحلة معهم الداعية في طلب الحرية الاقتصادية و السياسية و الفكرية , لكن تشابه النتائج ذلك لا يعني تشابه المقدمات , فشتان بين منطلقه و منطلقهم , شتان بين من يريد الدنيا و من يريد الآخرة و يجعل الدنيا قنطرة لها .
الداعية المصلح هدفه الكبير ( تعبيد العالمين لله رب العالمين ) و سيادة الإسلام على الدنيا , و ليس فقط حريته في الدعوة , و لا إنشاء حزب , و لا المشاركة في السلطة , بل و لا إقامة دولة إسلامية تحكم بشرع الله في بقعة من الأرض , و إن كانت كل هذه أهدافا مشروعة و مطلوبة شرعا , لكنها كلها أهداف مرحلية , و وسائل للوصول للهدف الكبير , و هو تحقيق مهمة المسلم في الأرض , و هو ما يسميها الأستاذ الكبير ( عمر عبيد حسنة ) ( الشهود الحضاري ) أخذا من قول الله تعالى ( و تكونوا شهداء على الناس ) فهي شهادة في الدنيا و الآخرة , و علو منزلة للأمة في الدنيا بالسيادة و في الآخرة بالشهادة على بقية الأمم .
ليست هناك مشكلة أن يتشارك هدفه المرحلي مع العلمانيين , لكن المصيبة الكبرى أن يصبح هذا الهدف المرحلي غاية المنتهى .
لذلك كان الإمام البنا يذكر من عدة الفئة المصلحة ( معرفة بالمبدأ و إيمان به , و تقدير له , يعصم من الخطا فيه , أو الانحراف عنه , أو الخديعة بغيره , أو المساومة عليه ) .
و لذلك بعد أن ذكر طبيعة فكرة الإخوان يقول في رسالة ( الإخوان تحت راية القرآن ) :
( ولكننا أيها الناس : فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضع , ولا يقيده جنس ، ولا يقف دونه حاجز جغرافي ، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها , ذلك لأنه نظام رب العالمين ، ومنهاج رسوله الأمين .
نحن أيها الناس ـ ولا فخر ـ أصحاب رسول الله ، وحملة رايته من بعده ، ورافعو لوائه كما رفعوه ، وناشرو لوائه كما نشروه ، وحافظو قرآنه كما حفظوه ، والمبشرون بدعوته كما بشروا ، ورحمة الله للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (صّ:88) .
أيها الإخوان المسلمون : هذه منزلتكم , فلا تصغروا في أنفسكم , فتقيسوا أنفسكم بغيركم , أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين , أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله , بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات , وتذهب بها الحوادث والأيام ) .
و يقول تلميذه الأستاذ عمر التلمساني المرشد الراشد في ( ذكريات لا مذكرات ) :
( ما كانت دعوة الاخوان أساسا لتحقيق استقلال أو تحرير من استعمار وما الى ذلك من المعانى السامية المطلوبة لكنها قامت لترد المسلمين الى المنبع العامر بالحياة الكريمة والحرية النبيلة والعقيدة السليمة فإذا ما صح هذا وثبتت دعائمه فى صميم مشاعر المسلم وعقله وتفكيره رأى أن الحرية والاستعمار ضدان لا يجتمعان فى إهاب واحد وأن الحرية والظلم يتناقضان وأن العقيدة الحقة والاستعمار الاقتصادى أو الفكرى مع عزة المسلم أمور لا يمكن أن يحيا معها الانسان حياة رغد ة هادئة . لقد قامت جماعة الإخوان المسلمين أساسا لتعود بالمسلمين الى التمسك بتعاليم دينهم الصحيحة فى كل كبيرة وصغيره من شؤون هذه الحياة . فهى أصل وهى عقيدة وليست رد فعل لأى عامل من العوامل أو طارىء من الطوارىء .
فهى إذا دعت إلى إصلاح فساد منتشر أو ضلال عم فما ذلك إلا لأن هذا من صميم تعاليم الاسلام السامية النبيلة ) .
و لله درهم ,
و الله أعلم .
الجمعة، 27 نوفمبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
جزاكم الله خيرا أخى الكريم جندى العقيده على المعانى الجميله والتذكرة النافعة المفيده
إرسال تعليق